خمسه اشهر او اكثر مضت وانا اقاوم فكره ان اكتب عن الموت...لأسباب كثيره ابسطها انني اعرف جيدا تاثير ما سأكتب علي من سيقراءه... لذا فالاعتذار واجب لكل من ستسبب له هذه الكلمات الم او تدفعه لذكري ما كان قد دفنها مع الايام...ولكني الان حقا لا استطيع مواصله الصمود ومقاومه الفكره فالموت يحوم حولي في الايام الماضيه بطريقه غير طبيعيه...يكفي ان اخبركم انه في الاسبوعين الفائتين فقط زار هادم اللذات ومفرق الجماعات - علي الاقل- سبعه اشخاص اعرفهم!! ما بين قريب وصديق وزميل واقرباء لأصدقاء ومعارف...ناهيكم عن كميه الموت والفراق الموجوده في الافلام التي شاهدتها مؤخرا حتي ظننت ان الموت يمهد ليزورني قريبا!! لكني كنت اعرف جيدا انه لا يحتاج الي اذن او تمهيد فنفضت هذه الفكره من رأسي وجلست لأكتب ما تقراؤه الان.
السؤال الان ماذا سأكتب؟! او لنتحري الدقه ماذا اختار لأكتب الان؟! فأنا ولدهشتي الشخصيه اجد في نفسي العديد والعديد من الخواطر والافكار عن الموت حتي انني فكرت ان اقوم بتأليف كتاب كامل عنه!! لن اناقش الناحيه الدينيه من الوضوع فكلنا نعرفها جيدا....ولن اتكلم عن من مات لانني لا اعرف شيئا مما هو فيه الان!! ولكن دعونا نتكلم قليلا عن من لم يمت ...دعونا نتكلم عن من اضطروا ان يتعاملوا مع الموت دون ان يموتوا!!
...............................................................................................
جالسا انا بجوار ابي في سرادق العزاء في بلدتنا الصغيره....نعم لقد توفي احد اقاربنا ...شيء عادي وطبيعي جدا ولا جديد فيه فالموت حق ..الموت هو الحقيقه الوحيده في الحياه كما كان يقول ابي...اجلس بحسدي في العزاء ولكن عقلي وفكري كانا في عوالم اخري تماما...العديد من الافكار المتعلقه بالموت تدور في ذهني ....اشاهد الناس حولي ما بين باكي ومتألم او جالس في صمت منتظرا ان ينتهي ربع الحزب لينتهي من هذا الواجب وينصرف الي (حال سبيله)...ومن الممكن ايضا ان تجد من يتسامر مع من بجواره او حتي يضحكون سويا!!! اري كل هذا وفكره واحده تسيطر علي ذهني وعقلي ...فكره طالما روادتني في مثل هذه المواقف...كل من حولي الان ايا كانت نواياهم او مدي ألمهم سيعود الي بيته بعد انتهاء العزاء وكان شيئا لم يكن!!...كنت دائما حين اجلس في اي عزاء قول لنفسي ان كل هولاء بما فيهم انا لم يتغير في حياتهم شيئا اطلاقا اللهم الا بعض الدموع ومن الممكن القليل من الحزن الذي لن يدوم وبالتأكيد جزء من وقتهم قضوه في هذا السرادق ....كلهم بأستثتاء اهل الفقيد واحبائه!!
كل منا سيقود سيارته الي منزله وهو يفكر ماذا سيتناول علي العشاء ويتناقش مع ابنه الذي كان معه في العزاء في اخبار السياسه والنادي الاهلي وتقديرات هذا الابن المترديه في كليته!! الم اقل لكم ان شيئا لم يكن!!....ولكن علي النقيض ..هناك رحله اخري الي منزل اخر ولكنها ابدا مثل اي رحله عوده الي المنزل!! رحله اهل المتوفي الي منزلهم بعد ان تلقوا واجب العزاء....يعودون الي منزلهم ولكنها تبدو وكانها المره الاولي التي يذهبون فيها الي هذا المنزل المنشود....وهي بالفعل اول مره!!
هنا تفير كل شيء في حياه هولاء الاشخاص...يعودون الي منزلهم لأول مره دون رب هذا المنزل وصاحبه...يعودون وجزء منهم لا يزال لا يصدق ماحدث ويأمل ان يجد اباه او زوجه في المنزل منتظر!!...ولكنهم حين يدخلون المنزل هذه المره يعرفون جيدا ان شيئا ما لن يجدوه كما اعتادوه...كرسي ما سيظل فارغا لن يجلس احدا عليه...حجره ما لن يطرق احد بابها ثانيا ولن يخرج احدا منها...يعودون وهم يعرفون انهم سيفتقدون شيئا...سيفتقدون صوتا كان يعلو بين هذه الجدران ولكنه ذهب الان للأبد...سيفتقدون وجها كانوا يبدأون به يومهم ولكنه لن يروه الان سوي في احلامهم...تعود الزوجه لتجلس وحيده في غرفتها وهي تعرف انها ستظل وحيده للأبد...تنام وهي تعلم انها ستستيقظ صباحا لتجد الفراش بجوارها فارغا ولن تجد من يوقظها لتعد له الافطار...تنظر جيدا الي الغرفه لتستعيد كا ذكرياتها الساكنه هذه الجدران وهي تعلم ان كشكول ذكرياتها قد اغلق وانها لن تضيف اليه ابدا ما عاشت...........................
يعود الابن وهو لا يعي حقا ماذا حدث...كل ما يدركه انه اصبح في الدنيا وحيدا...يشعر وكانه كان مستندا الي حائط طوال حياته وفجأه انهار هذا الحائط...كل ما يدركه انه اصبح بلا اب...لا يوجد احد ليستنجد به حين يقع في المتاعب...حين يذهب ليتقدم لعروسه سيذهب وحده...سيقف في فرحه وحده فقد ذهب اباه!!!
كانت هذه الافكار واكثر تدور في بالب في كل عزاء ذهبت اليه...حتي اتي اليوم الذي وقفت اتلقي فيه واجب العزاء في أبي!!....لن اناقش هنا ابدا حالي وقتها ولكن فقط اذكر ان هذه الافكار لم تدور في ذهني وقتها ربما لأنشغاله بخواطر اخري...لم تكن البكاء والحزن بالتأكيد لأنني ببساطه لدي عمري كله لأحزن علي ابي فلما اختصره في هذه اللحظات؟!!
.................................................................................................
العجيب حقا في الموت انه حقيقه!!....يمكن لأي انسان علي وجه الارض ان يرفض او ينكر وجود اي شيء الا الموت...فهو الحقيقه الوحيده المتفق عليها دون اتفاق....وهو ايضا متوقع و منتظر....المشكله الكبري تكمن في خططه!!....مشكله البشر انهم لا يدركون مضمونها او اسلوب تحركها!! يعتقدون ان الموت يسير ضمن مخطط خاضع لقواعدهم وقوانينهم....يعتقدون ان الموت لا يزور الا من يملكون من السنوات اكثر من غيرهم....وكأننا فاكهه حين تنضج تقطف ثمارها وان لم تنضج تبقي علي الشجره سليمه معافيه!!....يعتقدون انه يحتاج سبب ليأتي ....اول سؤال بعد ابلاغ خبر اي وفاه هو"هو كان عنده ايه؟!!" وكأن الموت يجلس منتظرا متأهباً ان يجد غلطه في نظام الجسم البشري ليسرع اليها ويعطل عمل هذه الاله المغروره!! يعتقدون انه يضع الناس صفا طويلا ويمشي ينتقي منهم من يشاء حتي ينتهي الصف فيعود من البدايه.....فأذا مات اخ ما يتنفس الجميع الصعداء لأن اخوته واقاربه مازال امامهم عمر طويل فلا يمكن ان يزور الموت نفس العائله مرتين متتاليتين!!...فلابد انه دور احد ما غيرهم!!وعلي الرغم من كل ذلك فأن مشكله البشر مع الموت هي الفراق....هذا هو موضوع الصراع...يعرف الجميع انهم راحلون ولكن الوداع صعب وخصوصا اذا كان هذا الوداع فجأه....والاقسي اذا لم يتاح لك حتي فرصه لهذا الوداع...ولكن الفارق ليس كله متشابها...فالموت يحوم حولنا منذ ان ولدنا ولكن متي شعرت به او اقتربت منه ....الموت موجود ولكننا لا نراه الا حين يقترب منا ...السؤال اذن الي اي مدي يجب ان يقترب الموت حتي نشعر به؟؟!!
.................................................................................................
كانت البدابه حين توفي عم ابي ..اعتقد انها كانت اول مره فكرت فيها في الموت و تعمقت فيه....ولكنها لم تكن كافيه فبعد بضع ايام في بلدتنا عدت مره اخري للقاهره لتضيع هذه النظره القريبه المفكره للموت.....ولكنني استعدتها مره اخري بعد سنين حين توفي جدي انا...كانت النظره اكبر واعظم وبدأ الاحساس ....نعم الاحساس! ان تشعر بالموت وانه حقيقه وليست مجرد افكار...ولكنها ضاعت ايضا مع الوقت حتي توفي عمي فجأه لأجد نفسي داخل عالم الموت ذاته!! غريب حقا الانسان لا يشعر او يتعلم الا اذا اصابه الامر مباشره!! لا يتعلم او يتغظ من الاشارات....لالد ان ان يكابد الامر حتي يقر بوجوده....لذلك حين توفي ابي كنت نوعا مستعدا جدا لهذا الموقف ....ولكني لن اكون مستعدا تماما.....لا اتحدث هنا عن الصبر والثبات فهذه امور بديهيه....انما في تقبل الامر والتعامل معه...لا اقول انني كنت مستعدا تماما لأن الامر لا يكون بهذه السهوله!! فأذا كان الموت حقيقه نراها حولنا منذ ان وعينا الي هذه الدنيا الا انه عند اشخاص بعينهم يغدوا اكبر من مجرد حزن او وداع!! اذا تعلق الامر بشخص لا يعوض كالأب او الأم فأن الموت لا يصيبهم وحدهم انما يزور ايضا جزء من قلب الابن او الابنه....حين توفي ابي مات جزء من قلبي معه....وهذه حال كل بني ادم....مهما كانت علاقتك بأباك او امك ...مهما كانت ...اذا ماتا يموت جزء من قلبك معهم....حزء قد لا تعلم او تشعر حتي بوجوده حتي تفقده...ولكنه هادم اللذات ومفرق الجماعات...فهل هناك مهرب منه؟!!
.................................................................................................
انا اسف حقا واعتذر بشده ولكن هل تعرفون ما هو الموت؟!! الموت هو ان يخبرك احدهم ان فلانا قد مات اي انك لن تراه او تسمع صوته ثانيا لن تكلمه او تمرح معه لن تتجادلا او تتشاجرا مره اخري ....فأذا رفضت ان تصدق الفكره وصممت ان تراه فيأخذوك اليه فتراه راقد علي فراش ما فتجري عليه وانت مليء بالامل ...تنادي عليه ولكنه لا يجيبك ...تمسك يده وتهزه بقوه لكنه لا يستجيب ...تترك يدi لتسقط بجواره بدون اراده لتوقن ان الامر الحق...وان الجسد الراقد امامك لن يقوم مره اخري ولن يتحرك الا حين يحملوه للقبر ...لن تنفتح هاتين العينين ابدا...لن تري هذا الشخص في هذه الدنيا مره اخري..لن تجده لتلقي عليه تحيه الصباح ...لن يحدثك علي الهاتق ليسأك عن احوالك....لن تري ابتسامته او دموعه...لن تشاركه فرح او حزن ثانيا....لن يمكنك ان تذهب لتراه اذا جال بذهنك خاطر عنه او ان افتقدته...بأختصار لم يعد هذا الشخص موجود...لقد مات ...ومصيره الي التراب ....سيضعوه في حفره في الارض ثم يلقوا عليه التراب حتي يغطوه ويخفوه عن الاعين....حتي لا تميز مكان قبره عن ما حوله من الارض...هكذا يعود مره اخري الي اصله ...الي التراب... ولا يبقي لك سوي ذكري في القلب....ودموع في العين... ودعوي علي الشفاه....وامل بلقاء في موضع حسن يوم العرض...هذا هو الموت!!
تمت