CLICK HERE FOR BLOGGER TEMPLATES AND MYSPACE LAYOUTS »

2008/11/21

كلما اقترب الموت....


خمسه اشهر او اكثر مضت وانا اقاوم فكره ان اكتب عن الموت...لأسباب كثيره ابسطها انني اعرف جيدا تاثير ما سأكتب علي من سيقراءه... لذا فالاعتذار واجب لكل من ستسبب له هذه الكلمات الم او تدفعه لذكري ما كان قد دفنها مع الايام...ولكني الان حقا لا استطيع مواصله الصمود ومقاومه الفكره فالموت يحوم حولي في الايام الماضيه بطريقه غير طبيعيه...يكفي ان اخبركم انه في الاسبوعين الفائتين فقط زار هادم اللذات ومفرق الجماعات - علي الاقل- سبعه اشخاص اعرفهم!! ما بين قريب وصديق وزميل واقرباء لأصدقاء ومعارف...ناهيكم عن كميه الموت والفراق الموجوده في الافلام التي شاهدتها مؤخرا حتي ظننت ان الموت يمهد ليزورني قريبا!! لكني كنت اعرف جيدا انه لا يحتاج الي اذن او تمهيد فنفضت هذه الفكره من رأسي وجلست لأكتب ما تقراؤه الان.
السؤال الان ماذا سأكتب؟! او لنتحري الدقه ماذا اختار لأكتب الان؟! فأنا ولدهشتي الشخصيه اجد في نفسي العديد والعديد من الخواطر والافكار عن الموت حتي انني فكرت ان اقوم بتأليف كتاب كامل عنه!! لن اناقش الناحيه الدينيه من الوضوع فكلنا نعرفها جيدا....ولن اتكلم عن من مات لانني لا اعرف شيئا مما هو فيه الان!! ولكن دعونا نتكلم قليلا عن من لم يمت ...دعونا نتكلم عن من اضطروا ان يتعاملوا مع الموت دون ان يموتوا!!
...............................................................................................
جالسا انا بجوار ابي في سرادق العزاء في بلدتنا الصغيره....نعم لقد توفي احد اقاربنا ...شيء عادي وطبيعي جدا ولا جديد فيه فالموت حق ..الموت هو الحقيقه الوحيده في الحياه كما كان يقول ابي...اجلس بحسدي في العزاء ولكن عقلي وفكري كانا في عوالم اخري تماما...العديد من الافكار المتعلقه بالموت تدور في ذهني ....اشاهد الناس حولي ما بين باكي ومتألم او جالس في صمت منتظرا ان ينتهي ربع الحزب لينتهي من هذا الواجب وينصرف الي (حال سبيله)...ومن الممكن ايضا ان تجد من يتسامر مع من بجواره او حتي يضحكون سويا!!! اري كل هذا وفكره واحده تسيطر علي ذهني وعقلي ...فكره طالما روادتني في مثل هذه المواقف...كل من حولي الان ايا كانت نواياهم او مدي ألمهم سيعود الي بيته بعد انتهاء العزاء وكان شيئا لم يكن!!...كنت دائما حين اجلس في اي عزاء قول لنفسي ان كل هولاء بما فيهم انا لم يتغير في حياتهم شيئا اطلاقا اللهم الا بعض الدموع ومن الممكن القليل من الحزن الذي لن يدوم وبالتأكيد جزء من وقتهم قضوه في هذا السرادق ....كلهم بأستثتاء اهل الفقيد واحبائه!!
كل منا سيقود سيارته الي منزله وهو يفكر ماذا سيتناول علي العشاء ويتناقش مع ابنه الذي كان معه في العزاء في اخبار السياسه والنادي الاهلي وتقديرات هذا الابن المترديه في كليته!! الم اقل لكم ان شيئا لم يكن!!....ولكن علي النقيض ..هناك رحله اخري الي منزل اخر ولكنها ابدا مثل اي رحله عوده الي المنزل!! رحله اهل المتوفي الي منزلهم بعد ان تلقوا واجب العزاء....يعودون الي منزلهم ولكنها تبدو وكانها المره الاولي التي يذهبون فيها الي هذا المنزل المنشود....وهي بالفعل اول مره!!
هنا تفير كل شيء في حياه هولاء الاشخاص...يعودون الي منزلهم لأول مره دون رب هذا المنزل وصاحبه...يعودون وجزء منهم لا يزال لا يصدق ماحدث ويأمل ان يجد اباه او زوجه في المنزل منتظر!!...ولكنهم حين يدخلون المنزل هذه المره يعرفون جيدا ان شيئا ما لن يجدوه كما اعتادوه...كرسي ما سيظل فارغا لن يجلس احدا عليه...حجره ما لن يطرق احد بابها ثانيا ولن يخرج احدا منها...يعودون وهم يعرفون انهم سيفتقدون شيئا...سيفتقدون صوتا كان يعلو بين هذه الجدران ولكنه ذهب الان للأبد...سيفتقدون وجها كانوا يبدأون به يومهم ولكنه لن يروه الان سوي في احلامهم...تعود الزوجه لتجلس وحيده في غرفتها وهي تعرف انها ستظل وحيده للأبد...تنام وهي تعلم انها ستستيقظ صباحا لتجد الفراش بجوارها فارغا ولن تجد من يوقظها لتعد له الافطار...تنظر جيدا الي الغرفه لتستعيد كا ذكرياتها الساكنه هذه الجدران وهي تعلم ان كشكول ذكرياتها قد اغلق وانها لن تضيف اليه ابدا ما عاشت...........................
يعود الابن وهو لا يعي حقا ماذا حدث...كل ما يدركه انه اصبح في الدنيا وحيدا...يشعر وكانه كان مستندا الي حائط طوال حياته وفجأه انهار هذا الحائط...كل ما يدركه انه اصبح بلا اب...لا يوجد احد ليستنجد به حين يقع في المتاعب...حين يذهب ليتقدم لعروسه سيذهب وحده...سيقف في فرحه وحده فقد ذهب اباه!!!
كانت هذه الافكار واكثر تدور في بالب في كل عزاء ذهبت اليه...حتي اتي اليوم الذي وقفت اتلقي فيه واجب العزاء في أبي!!....لن اناقش هنا ابدا حالي وقتها ولكن فقط اذكر ان هذه الافكار لم تدور في ذهني وقتها ربما لأنشغاله بخواطر اخري...لم تكن البكاء والحزن بالتأكيد لأنني ببساطه لدي عمري كله لأحزن علي ابي فلما اختصره في هذه اللحظات؟!!
.................................................................................................
العجيب حقا في الموت انه حقيقه!!....يمكن لأي انسان علي وجه الارض ان يرفض او ينكر وجود اي شيء الا الموت...فهو الحقيقه الوحيده المتفق عليها دون اتفاق....وهو ايضا متوقع و منتظر....المشكله الكبري تكمن في خططه!!....مشكله البشر انهم لا يدركون مضمونها او اسلوب تحركها!! يعتقدون ان الموت يسير ضمن مخطط خاضع لقواعدهم وقوانينهم....يعتقدون ان الموت لا يزور الا من يملكون من السنوات اكثر من غيرهم....وكأننا فاكهه حين تنضج تقطف ثمارها وان لم تنضج تبقي علي الشجره سليمه معافيه!!....يعتقدون انه يحتاج سبب ليأتي ....اول سؤال بعد ابلاغ خبر اي وفاه هو"هو كان عنده ايه؟!!" وكأن الموت يجلس منتظرا متأهباً ان يجد غلطه في نظام الجسم البشري ليسرع اليها ويعطل عمل هذه الاله المغروره!! يعتقدون انه يضع الناس صفا طويلا ويمشي ينتقي منهم من يشاء حتي ينتهي الصف فيعود من البدايه.....فأذا مات اخ ما يتنفس الجميع الصعداء لأن اخوته واقاربه مازال امامهم عمر طويل فلا يمكن ان يزور الموت نفس العائله مرتين متتاليتين!!...فلابد انه دور احد ما غيرهم!!وعلي الرغم من كل ذلك فأن مشكله البشر مع الموت هي الفراق....هذا هو موضوع الصراع...يعرف الجميع انهم راحلون ولكن الوداع صعب وخصوصا اذا كان هذا الوداع فجأه....والاقسي اذا لم يتاح لك حتي فرصه لهذا الوداع...ولكن الفارق ليس كله متشابها...فالموت يحوم حولنا منذ ان ولدنا ولكن متي شعرت به او اقتربت منه ....الموت موجود ولكننا لا نراه الا حين يقترب منا ...السؤال اذن الي اي مدي يجب ان يقترب الموت حتي نشعر به؟؟!!
.................................................................................................
كانت البدابه حين توفي عم ابي ..اعتقد انها كانت اول مره فكرت فيها في الموت و تعمقت فيه....ولكنها لم تكن كافيه فبعد بضع ايام في بلدتنا عدت مره اخري للقاهره لتضيع هذه النظره القريبه المفكره للموت.....ولكنني استعدتها مره اخري بعد سنين حين توفي جدي انا...كانت النظره اكبر واعظم وبدأ الاحساس ....نعم الاحساس! ان تشعر بالموت وانه حقيقه وليست مجرد افكار...ولكنها ضاعت ايضا مع الوقت حتي توفي عمي فجأه لأجد نفسي داخل عالم الموت ذاته!! غريب حقا الانسان لا يشعر او يتعلم الا اذا اصابه الامر مباشره!! لا يتعلم او يتغظ من الاشارات....لالد ان ان يكابد الامر حتي يقر بوجوده....لذلك حين توفي ابي كنت نوعا مستعدا جدا لهذا الموقف ....ولكني لن اكون مستعدا تماما.....لا اتحدث هنا عن الصبر والثبات فهذه امور بديهيه....انما في تقبل الامر والتعامل معه...لا اقول انني كنت مستعدا تماما لأن الامر لا يكون بهذه السهوله!! فأذا كان الموت حقيقه نراها حولنا منذ ان وعينا الي هذه الدنيا الا انه عند اشخاص بعينهم يغدوا اكبر من مجرد حزن او وداع!! اذا تعلق الامر بشخص لا يعوض كالأب او الأم فأن الموت لا يصيبهم وحدهم انما يزور ايضا جزء من قلب الابن او الابنه....حين توفي ابي مات جزء من قلبي معه....وهذه حال كل بني ادم....مهما كانت علاقتك بأباك او امك ...مهما كانت ...اذا ماتا يموت جزء من قلبك معهم....حزء قد لا تعلم او تشعر حتي بوجوده حتي تفقده...ولكنه هادم اللذات ومفرق الجماعات...فهل هناك مهرب منه؟!!
.................................................................................................
انا اسف حقا واعتذر بشده ولكن هل تعرفون ما هو الموت؟!! الموت هو ان يخبرك احدهم ان فلانا قد مات اي انك لن تراه او تسمع صوته ثانيا لن تكلمه او تمرح معه لن تتجادلا او تتشاجرا مره اخري ....فأذا رفضت ان تصدق الفكره وصممت ان تراه فيأخذوك اليه فتراه راقد علي فراش ما فتجري عليه وانت مليء بالامل ...تنادي عليه ولكنه لا يجيبك ...تمسك يده وتهزه بقوه لكنه لا يستجيب ...تترك يدi لتسقط بجواره بدون اراده لتوقن ان الامر الحق...وان الجسد الراقد امامك لن يقوم مره اخري ولن يتحرك الا حين يحملوه للقبر ...لن تنفتح هاتين العينين ابدا...لن تري هذا الشخص في هذه الدنيا مره اخري..لن تجده لتلقي عليه تحيه الصباح ...لن يحدثك علي الهاتق ليسأك عن احوالك....لن تري ابتسامته او دموعه...لن تشاركه فرح او حزن ثانيا....لن يمكنك ان تذهب لتراه اذا جال بذهنك خاطر عنه او ان افتقدته...بأختصار لم يعد هذا الشخص موجود...لقد مات ...ومصيره الي التراب ....سيضعوه في حفره في الارض ثم يلقوا عليه التراب حتي يغطوه ويخفوه عن الاعين....حتي لا تميز مكان قبره عن ما حوله من الارض...هكذا يعود مره اخري الي اصله ...الي التراب... ولا يبقي لك سوي ذكري في القلب....ودموع في العين... ودعوي علي الشفاه....وامل بلقاء في موضع حسن يوم العرض...هذا هو الموت!!
تمت

2008/11/08

ادهم


خطاب قصير للغايه,فعليا جملتين لا اكثر,"ادهم ابنك , برجاء اصطحابه يوم كذا الساعه كذا من العنوان كذا "امضاء زوجتي السابقه.جملتين فعلا ولكن اثارهم كأثار الزلزال , يترك المدينه محطمه تبكي علي انقاضها دون ان تدرك ماذا حدث! لا اعتقد ان علماء الرياضيات قد توصلوا بعد لرقم يقترب من عدد الافكار والتسؤلات الدائره في ذهني الان تكاد تحرقه من سرعتها وغرابتها . كانت الساعه المحدده لأصطحاب ادهم هذا قد اقتربت والعنوان المذكور يحتاج بضع ساعات بالسياره للوصول اليه فتركت حياتي كلها خلفي وأخذت سيارتي وانطلقي في هذه الرحله الغريبه ...لأستعيد ابني... لأستعيد جزء من كياني ...جزء لم اكن اعلم بوجوده حتي لحظه استلامي هذا الخطاب ...حقا لم اكن اعلم ان لي ابن!! كيف ومتي ولماذا؟! اسئله اعلم يقيناً انها ستظل تدور هائمه في فضاء الغموض الي ان تقوم الساعه. لم يراودني الشك لحظه في صحه وصدق ما جاء بالخطاب وكونه ابني حقا ام لا ، فعلي الرغم من كونها زوجتي السابقه الا ان صدقها امر لا غبار عليه فأذا كانت قد قالت انه ابني فهو كذلك اذن! ومره اخري تدهشني نفسي التي بين جنبي..فلم ينشغل ذهني بأسئله تبدو منطقيه لأي انسان لم يختبر كلامي هذا عملياً..اسئله علي غرار كيف حدث ذلك؟؟ ولماذا لم تخبرني؟؟ وما الذي اتي به في هذا العنوان الذاهب انا اليه ؟؟والاهم اين هي امه و زوجتي السابقه؟؟ لم اهتم مطلقا بكل هذه الاسئله لوجود ما هو اهم ليشغل بالي وتفكيري ...كيف هو؟! كيف يبدو؟! ما لون عينيه؟! طويل ام نحيل الجسد ؟! أيعرفني؟! هل رأي صوره لي؟ ام انه لا يعرف ان اباه موجود علي قيد الحياه ؟أيعرف سبب وجوده في هذا المنزل الان؟ ولماذا انا قادم لأصطحابه ؟ هل سيحبني .....هل سيتقبلني؟؟أيقبل ان يذهب معي؟ هل سيدرك هذه المعاني من الاساس ام انه مازل طفلا ؟!! تباً!! انه طفلا بالفعل !! لقد احترق ذهني حقا ...يالله يا ولي الصابرين ثبتني يا رب ...تري هل هو خائف الان؟!! انتابني احساس غريب و موحش حين جال هذا الخاطر بذهني حتي ان عجله القياده اختلت في يدي وكدت ان اخرج عن الطريق!.......يا الهي ..هل من الممكن ان يكون خائف ؟؟ بالتأكيد هو خائف!! بعيدا عن امه ..بين غرباء ..ينتظر غريبا اخر يقال له اباه ليأخذه !.....وكيف يعرف هو انني لست مثل من كان عندهم ؟ أيعرف اصلا ما معني اباه؟؟ قد يكون الان يجلس مضطرباً خائفاً ينظر الي من حوله برهبه وهو ينتظر لا يعلم ماذا سيحدث....قد يكون يجلس في ركن يبكي مناديا علي امه التي يعلم الله وحده اين هي الان ولماذا فعلت ما فعلت ووضعتنا جميعا في هذا الوضع الصعب! هذا الوضع الذي يكاد يمزق قلبي تمزيقا او مزقه بالفعل!! استغفر الله العظيم ارحمني برحمتك يا رب....لقد تخطيت مرحله اني اكاد ان اجن لأن الجنون قد اصابني بالفعل!...حاولت ان اطمئن نفسي واطرد هذه الخواطر الشيطانيه من رأسي واستعذت بالله من الشيطان الرجيم ورميت همومي وحمولي عليه وعزمت وتوكلت وحاولت ان ابحث عن بعض الافكار الايجابيه وسط هذا الكم اللانهائي من الافكار والخواطر في رأسي.... أمن الممكن ان يكون ينتظرني بفرحه ؟ولهفه؟ من ادراني انه لا يعلم بوجودي ؟ربما كان يعلم! ربما اخبرته امه! ربما كان ينتظر هذه اللحظه اكثر مني؟ينتظرني انا!!.....اباه!! ليناديني بابا ...تسللت ابتسامه واسعه الي وجهي واطمئن قلبي لهذه الخواطر ...بالفعل من الممكن ان يكون يعرفني ويحتاج الي الان!! يحتلج الي ان ينهي حرمانه من اباه!! يحتاج قدوه ومثل صالح ...يحتـــــــ......... يحتاج ماذا؟!!! انه طفل ..يبلغ من العمر ثلاث سنوات وسبعه شهور علي الاكثر ...هل سيفهم حرمان وقدوه وما الي ذلك ؟؟! لقد جننت حقا والمشكله اني انسي ذلك!! السؤال اذن اذا كان يبلغ من العمر ما يبلغ فما مستوي ادراكه؟!ما هو المستوي المفترض من الحوار بيننا كي يفهمني ؟ هل يجـــــــ.............. يالله ..ها هو ذا !!لقد مرت الساعات ولم اكد اشعر بها وها انا ذا قد وصلت للعنوان المنشود....ها انا ذا امام المنزل المنتظر .,...هنا امامي ينتظرني ما قد غير حياتي بالفعل من قبل ان اراه!! هنا في هذا المنزل يتنظرني هو !! ادهم ابني!!!
لا ادري حقا كيف صففت (ركنت) السياره وترجلت منها ومشيت الي باب المنزل ..كل ما ادركه الان انني اقف امام الباب منتظرا وانا ارتجف! حقا ارتجف! واثناء رحله يدي الي الجرس الانيق المعلق بجوار المدخل تذكرت مدي صحه الاقاويل والاراء القائله بمدي غرور الانسان وجهله !! فها هو واحد منهم تأتيه بضع كلمات تغير مسار حياته وتجعله يرتجف امام الباب كتلميذ مذنب يقف امام باب ناظر ألمدرسه! صوت الجرس ينطلق ..الباب ينفتح .. نظره من من في الداخل ..ثم حقيبه في يساري وطفل صغير في يميني ..وينغلق الباب!!................ يا سلاااااااااااااام!!!!
هل تخيلت يوما انك واقف في بدايه طريق ما لا تعلم نهايته وخلفك ظلام حالك ؟؟ انا لا احتاج الي مثل هذا التخيل ...فأنا في هذه البدايه الان وفي يدي طفل صغير!! تبدو كلمه ماذا افعل الان مبتذله جدا !! حقا ماذا يُنتظر مني ان افعل الان؟!! بدأت بالبسمله والمعوذتين وسوره الاخلاص ...اخذت نفسا عميقا وقررت ان ابدا اول خطوه واهم خطوه ...ان اراه!! نزلت علي ركبتي لأصبح في مستوي طوله .. ونظرت الي وجه لأول مره ....ياااااااااااااالله!! ..ما هذا الملاك !يا الهي ! هل يمكن ان يكون هذا البدر ابني؟...ابيض البشره هو ، عيناه واسعتين ، لا يخالط سوادهما لون اخر ، انف دقيق وفم صغير باسم ، اذنان يكادا الا يظهرا لولا ان بعض الحمره لونتهما ، شعره ناعم كخيوط الحرير ينسدل علي وجهه بطول جبينه الواسع ليلتقي الاسود بالابيض كما يلتقي الصبح بالليل لحظه الشروق !
يالله ...انه في غايه الجمال ..اجمل من اجمل طفل رأيته او تخيلته ...كأطفال الافلام الامريكيه ...لااااا بل اجمل ...انه كما وصف القرآن سيدنا يوسف...نعم هذا هو !! كنت اظن اني خبير في لغه العيون ولكني اعرف الان اني كنت مخطئا تماماً ، الان اعلن جهلي امام هاتين العينين ، لن اتحدث عن البراءه الساكنه عيناه ..لن اذكر الحيويه الطفوليه التي تجدها في عيون كل الصغار ، لن اصف كل هذا لأني وجدت مصدرهما ونبعهما الصافي اخيرا ! اقل ما توصف بيه هاتين العينين هو الجمال ! لا اعرف كم ظللت انظر فيهما ولهما ، كانتا كالبئر العميق المظلم ، لا تري داخله شيء ولكنه مليء بالغموض الذي يجذبك اليه جذباً كأنك مسحور ، عيناه تشع طمأنينه و سكينه تحيط بالمكان وتحميه من اي شيطان رجيم ، اكاد ان اقسم انهما تطلقان طاقه غير مرئيه تجدد روحي الان وتنقيها وترتقي بها !
اقسم فعلا اني حين نظرت الي هاتين العينين قد ارتقيت الي مكان افضل !! بالطبع هرب الكلام من علي لساني كما يهرب السمان حين يسمع طلقه الصياد ، لم تسعفني القريحه بفعل ما لأقوم به ...فما كان مني الا ان اطلقت تنهيده ظننت انها كافيه لتبقي الصيف فصل دائما علي الارض لقرن علي الاقل ! ونهضت ... يحتضن دميته بيمينه واحمل انا حقيبته بيساري لتتشابك يميني ويسراه لأول مره ، كانت عقده ايدينا علي الرغم من الاختلاف في الحجم والقوه تبدو وكأنها تشكل نسيج حي واحد ، تبدو وكانها وحده واحده وليست اثنتين ، كانت تبدو وكأنها العروه الوثقي التي لا انفصام لها!!صدقوا هذا او لا ولكني شعرت بالأمان والخوف معا حين تشابكت ايدينا ! ظللت حائرا في تناقضي هذا حتي وصلنا الي السياره فأنفصلت ايدينا لأشعر وكان احد قد نزع جزء من احشائي كما فعلت هند بكبد حمزه !! يالله ...لحظه عاديه تحدث في اليوم ملايين المرات حين يترك الاب يد ابنه ، ولكن ها هنا الحاله مختلفه ....خواء موحش وانفباض كئيب اجتاحني حين ترك ادهم يدي ! ورغم كونها بمقايس الزمن لحظات الا انها في حكم الحب والقلوب دهور!! لم ترتد لي روحي واتزاني الا حين جلست في السياره واستقر ادهم الي جواري ....هل من الممكن ان اكون قد احببت هذا الصغير بهذه الدرجه في هذه الحظات الاقصر من ان تكون قصيره؟!! العجيب انه حتي الان لم نتبادل انا وهو كلمه واحده !!ولكم تبدوا هذه المشكله في غايه السهوله في نظر اي انسان ولكنها بالنسبه لي الان اصعب قضايا العمر !! المشكله الحقيقيه هي انني لا اعرف!! لا اعرف ماذا علي ان افعل او اقول او حتي بماذا اشعر !لكم كان التواصل مع الاطفال يبدو سهلا بالنسبه لي ولكني اعلن جهلي وغبائي للمره الثانيه ... ان اي اب فالدنيا يتعلم كبف بتواصل مع ابنه بالفطره فهو يراه وهو يتكون في رحم امه ويراه يولد امام عينيه ويكبر امامه ايضا ..اي اب يمارس ابوته ويستوعبها بالتدريج ..اما انا فلاااا!!!! انا كمن قيل له ان الاخوان رايت قد اخترعا الطائره ثم وضعوني في كابينه قياده (اير باص) طالبين مني ان اقودها !!لقد انتزع مني ثلاث سنوات ونصف كان من المفترض ان تكون سنوات تعليمي وتاهيلي كأب !! وها انا ذا اقف امام اصع امتحان في تاريخي كحفيد لأدم !! الأولويه الان لسؤال مهم جدا ..ما هي قدره عقله علي الاستيعاب وما هم مستوي الحوار والتعامل اللمفترض بيننا؟!
اذا بكي الان فماذا سأفعل ؟ هل ساصرخ في وجه ام سأحتضنه واربت علي ظهره ؟ ماذا ان طلب شيئا ..هل سأهرول كما فعلت هاجر لألبيه ام سأتمهل وافكر في طلبه؟!ماذا اذا اذاه احد؟!! هل سأكتفي فقط بقتله ام ساقوم بالتمثيل بجثته ايضا ؟! كنا نجلس في السياره والصمت يغلفنا وكأننا اثنين بالغين في طريقهم الي اداء واجب العزاء !! حقا كان يبدو كرجل راشد بالع وهو يجلس بجوراي علي الرغم من احتاضنه لدميته ..تنهيده اخري تزيد من عمر الصيف قرن اخر لأعود انظر الي الطريق وانا لا اعرف الي اين اتجه ....تتمحور حياتي كلها الان في كيفيه فتح حوار مع هذا الادهم الذي نشر الفوضي في حياتي كما ينشر اي طفل اوراق عمل ابيه في الشارع متصورا انه يري أمامه سرب من عصافير الجنه!! كان الضيق والعصبيه قد بدئا يتسربا الي من عجزي المؤلم هذا .. كانت العصبية والغيظ والأفكار الشيطانية تتجمع في بؤره تفكيري كم تتجمع الغيوم في السماء في بدايه يوم عاصف مطير ....كنت علي شفا هوه ما انجاني الله منها اذ شعرت بشيئاً يهز ذراعي برفق وصوت جميل دافيء كصوت سيدنا داود يأتيني من جوراي قائلاً :
"بابا .....بعد اذنك عايز اشرب."
لتبتسم الدنيا لي.
تمت